العائد قصة قصيرة رزق فـرج رزق
عاد الفارس من ساحات الوغى، يحمل في جعبته صرخة، لو اطلقها لدوت في الأرجاء
تبحث عن بقايا فلول العدو، تدعوهم للمبارزة.
خرجت النسوة والأطفال برفقة الشيوخ
في استقبال العائد، قاسمهم الحفل أشباه رجال تعلو جثثهم المنصة، يقدمون كلمات
منمقة، تهليل وبعض من المواعظ وقصاصة ورق وبعض دريهمات على سبيل التكريم، إنهم
السلاطين الجدد!، كيف ومتى و من أين جاءوا؟
.. ترجل
الفارس من على صهوة جواده تراه يتلمس التراب الذي قاتل من أجله، (واريت وجوهاً طيب
الله ثراها)، سنزور قبورهم كلما أشتد بنا الحال..
أنا مُقاتل ..
لأجلك سأقاتل..
أنا
مُقاتل ..
ولست بقاتل..
صعدت
الأرواح .. وارتفاعها كثيراً يجعلنا نعرف كم نحن صغار..!
نصف
إلهكم سقط !
وتعلو
على منازل الطواغيت أسماء الشهداء، الفكر الأوحد أنساهم تفاصيل الحكاية.
كيف يسير
طليقاً على بساطك من كان يجابهني، ويقتل الجمال والانسان؟! "
.. بين
النسوة و عبث المكان تخطت سيدة الحواجز في اتجاه العائد، يقف مذهولاً يرنو إلى وجهها..
يا إلهي .. إنها أم الشهيد.. الحيرة تطفو
و ارتعاشة خجل يتقشعر منها بدنه .. ما لبث حتى أخذ جسمه يهدأ شيئاً فشيئا،
وارتسمت على ثغره ابتسامة يختلط فيها الغموض بالرضى. روح الامل أعادت إليه شيئاً
من الطمأنينة. تحملقه في وجنتي "أم الشهيد" يصاحبه هتاف المتجمهرين"
دم الشهداء ما يمشيش هباء" بكى بعضهم وتباكى البعض الأخر.
وجه سهم
ناظريه صوب أشباه الرجال التي تشوه أجسامهم الغثة علو المنصة..
...
...
هل سنسمح لهم أن يأخذوا الوطن إلى المقبرة،
وهناك يمارسون الفاحشة معه على مرأى ومسمع من الموتى؟ ويعودون به محنطاً ليرتموا
بظله و ينهبونه و يوزعون الفُتات على ما
تبقى من هياكل عظمية تتنفس؟ هل خاب الظن و انتصر اليأس حتى صار الوطن هو دولة
الحقراء ؟ وهل كانوا صماً عمياً بكماً
عندما كانت العصابة تنهش من الجسد الجريح وتدوس على رقاب الكادحين؟ هل زفرات القحط
غط عليها شهيق الألم؟ يا الهي صارت الحارة أكبر من الوطن.
ظمأت رُقية فاختارتها الرصاصة على غفلة من الموت
قبل أن تبلل ريقها بجرعة ماء؛ وبدأ العد في احتساب ثمن الحرية، كم هي قاسية اللعبة
التي تقتل الجمال ، و تجعل البارحة و اليوم سواسية.
اعرفتم
"رُقية" أيها السلاطين الجدد؟! أعرفتم كيف أوصلتكم الدماء إلى بلاط السلطان..
؟
ثمة
تشابه كبير بين طاولة الحوار ولعبة القمار في حانات السياسة، انجلى الخريف طويل
الأمد وجاء الربيع غالي الثمن .. هل لهم وطن يستمدون منه وطنيتهم؟
نظرة
عميقة في الانحاء، الشارع مزدحم بالناس، بدا على وجوههم السرور رغم غبار الإرهاق
المتبقي من العهد الذي مضى، الجدران تزينها خربشات تنبئ بنهاية عهد وبداية أخر،
يتأمل في تجاعيد الوجوه، تعتريه علامات الاعتزاز،
يلازمه الخجل كلما نظر في عيون الصبايا لعودته سالماً من جبهات
القتال،
فجأة عم
الصمت المكان.. وانبثق صوت وقف له الجميع:
(يا
بلادي
يا بلادي
بجهادي
وجلادي
..
ادفعي كيد
الأعادي و العوادي
واسلمي
....
... ... ... )
... ... ... )
طبرق 20/10/2012